تعد سيرة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ثاني رئيس لدولة الإمارات وحاكم إمارة أبوظبي (2004-2022)، قصة قيادة ملهمة وتنمية شاملة. لم يكن الشيخ خليفة مجرد وريث لمؤسس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بل كان امتداداً لنهجه ورؤيته الطموحة التي دفعت بالبلاد نحو مصاف الدول المتقدمة. لقد كانت حياته مكرسة لخدمة الوطن والمواطن، متأثراً بتربية والده في واحات العين والبريمي، حيث تعلم قيم المسؤولية والثقة والعدالة. هذه القيم صقلت شخصيته القيادية مبكراً، لتُصبح الإمارات تحت قيادته منارة للرخاء والاستقرار على الصعيدين المحلي والعالمي.
⏳ محطات في مسيرة قائد: من العين إلى رئاسة الدولة
وُلد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في عام 1948 بقلعة المويجعي في مدينة العين، وهو النجل الأكبر للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ينتمي إلى قبيلة بني ياس، القبيلة الأم التي شكلت “حلف بني ياس” ووضعت الأسس القبلية والتاريخية لدولة الإمارات.
تلقى الشيخ خليفة تعليمه المدرسي في المدرسة النهيانية التي أسسها والده في العين. ولكن الأثر الأكبر في تكوينه كان ملازمته لوالده، الذي كان حاكماً لمنطقة العين والبريمي ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية. فقد حرص الشيخ زايد على اصطحاب نجله في المجالس العامة وزياراته اليومية، مما وفّر للشيخ خليفة مدرسة عملية لاكتساب مهارات القيادة السياسية، والاحتكاك بهموم المواطنين، وتفهم تطلعاتهم.
🗺️ تسلسل المناصب القيادية
تُظهر المحطات الرئيسية في حياة الشيخ خليفة ثقة والده المبكرة فيه وقدرته التنفيذية العالية:
- 1966: عُيّن ممثلاً لحاكم أبوظبي في المنطقة الشرقية ورئيساً لنظامها القانوني، وهو في سن الثامنة عشرة.
- 1969: تولى منصب ولي عهد إمارة أبوظبي ورئاسة دائرة الدفاع التي أصبحت نواة القوات المسلحة لاحقاً.
- 1971: تولّى رئاسة أول مجلس وزراء محلي لأبوظبي ووزير الدفاع والمالية.
- 1974: أصبح نائباً لرئيس مجلس الوزراء الاتحادي.
- 1976: عُيّن نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات.
- 2004: تولى رسمياً منصب رئيس دولة الإمارات وحاكم إمارة أبوظبي، ليقود البلاد حتى وفاته في مايو 2022.
📈 عهد التمكين والازدهار: إنجازات داخلية وعالمية
بعد توليه الرئاسة في نوفمبر 2004، أطلق الشيخ خليفة خطته الاستراتيجية الأولى للحكومة، التي ركزت على التنمية المتوازنة والمستدامة والرخاء للمواطنين. وقد تميز عهده بإطلاق مشاريع ومبادرات ضخمة ساهمت في تحديث الدولة على جميع الأصعدة:
🏙️ تطوير البنية التحتية والاقتصاد
أشرف الشيخ خليفة على تطوير قطاعي النفط والغاز والصناعات التحويلية، التي عززت التنوع الاقتصادي للبلاد بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط. كما أصدر توجيهات بتنفيذ بنية تحتية شاملة، حيث خُصص 16 مليار درهم لتطوير الإمارات الشمالية. وشمل ذلك بناء مستشفى الشيخ خليفة في رأس الخيمة، وتشييد 2000 منزل، وبناء طرق سريعة وتقاطعات، مما ساهم في إبراز حداثة مدن الإمارات.
- جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA): أسسه في عام 1976 لضمان مصدر دخل ثابت للأجيال القادمة.
- صندوق معالجة الديون المتعثرة: أُنشئ عام 2011 برأس مال أولي قدره 10 مليار درهم، لتخفيف العبء المالي عن المواطنين المتعثرين. يتميز الصندوق بآلية تقوم على تنازل البنوك عن نصف المبلغ وتكفل الحكومة بالنصف المتبقي، بشرط ألا يزيد القسط الشهري على 25% من دخل المستفيد.
- إحلال المساكن القديمة (قبل 1990): مبادرة ضخمة لضمان حصول المواطنين على مساكن جديدة أو مُصلحة، بتكلفة قُدرت بـ 10 مليار درهم.
🧠 مبادرات المعرفة والتمكين الوطني
ركز الشيخ خليفة على الاستثمار في المواطن الإماراتي من خلال مبادرات تستهدف الارتقاء بالمعرفة والابتكار:
- عام الابتكار (2015): لتغيير معادلات الاقتصاد الوطني ودفعها نحو التكنولوجيا والابتكار.
- عام القراءة (2016): لترسيخ جيل قارئ ومدرك ومواكب للتطورات العالمية، مع إطلاق مبادرة “أقدر” لتعزيز المهارات القرائية.
- عام الخير (2017) وعام زايد (2018) وعام التسامح (2019): مبادرات وطنية لترسيخ المسؤولية المجتمعية، والتطوع، وقيم التسامح والانفتاح الثقافي، والاحتفاء بإرث المؤسس.
- مبادرة أبشر (2012): لتعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل وتأهيلهم للعمل في القطاع الخاص.
🌐 السياسة الخارجية والدور الإنساني
على الصعيد الدولي، انتهج الشيخ خليفة سياسة خارجية نشطة دعمت مكانة الإمارات كعضو فاعل إقليمياً وعالمياً، وكرسها كقوة إنسانية عظمى:
- الدعم الإقليمي والدولي: كان من أشد المناصرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعمل على توطيد العلاقات مع دول آسيا وأوروبا.
- مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية: تأسست عام 2007 وتعتبر ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية، مركزة على قطاعي الصحة والتعليم عالمياً.
- حملة الإمارات ضد شلل الأطفال: مبادرة عالمية قدمت ملايين اللقاحات لأطفال باكستان، بالتعاون مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومؤسسة بيل ومليندا غيتس، لدعم الجهود العالمية لاستئصال المرض.
ختام عن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان
عبر مسيرته الممتدة من ممثل للحاكم في العين إلى رئاسة الدولة، رسّخ المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان نموذجاً للقائد الذي يجمع بين أصالة التراث وروح الحداثة. إنجازاته في تمكين المواطن، وتطوير البنية التحتية، وتنويع الاقتصاد، وترسيخ قيم الخير والتسامح، خلقت إرثاً راسخاً سيظل ملهماً للأجيال القادمة. لقد كانت قيادته علامة فارقة في تاريخ الدولة، مثلت مرحلة تحول نوعي عززت من مكانة الدولة كمركز عالمي للابتكار والتعايش والعمل الإنساني.
