تعد اعراض الحمل قبل موعد الدورة الشهرية من أكثر الأمور التي تثير الفضول والترقب لدى النساء اللواتي ينتظرن حدوث الحمل. في هذه الفترة المبكرة جدا، وقبل حتى أن يتأكد غياب الدورة الشهرية، قد يبدأ الجسم بإرسال بعض الإشارات الخفية التي قد تكون مؤشراً محتملاً على بدء رحلة الحمل.
إن التغيرات الهرمونية التي تحدث فور تخصيب البويضة وبدء انغراسها في جدار الرحم تكون سريعة ومكثفة. هذه التغيرات هي المسؤولة عن ظهور مجموعة من الأعراض التي قد تتشابه في بعض جوانبها مع أعراض متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS)، مما يجعل التمييز بينهما أمرا صعباً ومربكا في كثير من الأحيان.
ومع ذلك، فإن بعض هذه الأعراض قد تكون أكثر دلالة أو تظهر بشكل مختلف قليلاً، مما يدفع المرأة إلى الشك في احتمالية وجود حمل قبل الموعد المحدد للدورة.
مفهوم اعراض الحمل التي تظهر مبكرا
يشير مفهوم اعراض الحمل التي تظهر مبكرا إلى مجموعة من العلامات الجسدية والنفسية التي قد تبدأ بالظهور في الأيام أو الأسبوع الذي يسبق الموعد المتوقع لبدء الدورة الشهرية.
هذه الأعراض هي في الأساس استجابة الجسم للارتفاع المفاجئ والسريع في مستويات هرمونات الحمل الرئيسية مثل هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (hCG)، البروجسترون، والإستروجين، والتي تبدأ بالزيادة فور حدوث الانغراس.
تعمل هذه الهرمونات على تهيئة بيئة الرحم لاستقبال الجنين، زيادة تدفق الدم إلى منطقة الحوض، والتأثير على أجهزة الجسم المختلفة مثل الجهاز الهضمي والجهاز البولي والدورة الدموية، وحتى على الحالة المزاجية والشهية.
ينتج عن هذه التغيرات الهرمونية ظهور أعراض متنوعة مثل التعب غير المبرر، تورم وألم في الثديين، غثيان خفيف، زيادة في عدد مرات التبول، وحتى تبقيع خفيف يُعرف بنزيف الانغراس.
من الضروري فهم أن ظهور واحدة أو اثنتين من هذه الأعراض لا يعني بالضرورة وجود حمل، حيث أنها قد تكون أيضاً جزءاً من الدورة الشهرية الطبيعية أو مؤشراً لحالات أخرى.
ومع ذلك، فإن تتبع هذه الأعراض وملاحظة أي اختلاف عن النمط المعتاد قبل الدورة الشهرية يمكن أن يوفر مؤشرات أولية تستحق الانتباه. التأكيد النهائي للحمل يتطلب دائماً إجراء اختبار حمل مناسب في الوقت المناسب.
أبرز اعراض الحمل المحتملة قبل موعد الدورة
على الرغم من التحدي المتمثل في التمييز بينها وبين أعراض ما قبل الدورة، فإن هناك قائمة من اعراض الحمل المحتملة قبل موعد الدورة الشهرية التي تذكرها العديد من النساء.
تختلف هذه الأعراض في شدتها وتوقيت ظهورها من امرأة لأخرى، وفي نفس المرأة من حمل لآخر. لا يوجد شرط لظهور كل هذه الأعراض، وقد لا تلاحظ بعض النساء أياً منها في هذه المرحلة المبكرة جداً. ومع ذلك، فإن الوعي بها يمكن أن يساعد في فهم ما يمر به الجسم.
سنستعرض فيما يلي أبرز هذه الأعراض التي قد تظهر قبل أيام من الموعد المتوقع للدورة الشهرية.
1. التبقيع الخفيف أو نزيف الانغراس
يُعد التبقيع الخفيف أو نزيف الانغراس أحد أكثر اعراض الحمل تحديدا التي قد تظهر قبل موعد الدورة الشهرية. يحدث هذا النوع من النزيف عندما تنغرس البويضة المخصبة وتلتصق ببطانة الرحم الغنية بالأوعية الدموية. عادةً ما يحدث هذا بعد حوالي 6 إلى 12 يوماً من الإخصاب، مما يعني أنه قد يظهر قبل موعد الدورة بأيام قليلة، أو حتى حوالي أسبوع قبلها.
يكون هذا النزيف خفيفا جداً، أشبه بالتبقيع أو بضع قطرات فقط، ولونه يميل إلى الوردي الفاتح أو البني، ويستمر لساعات قليلة أو يوم إلى يومين كحد أقصى. يختلف بشكل واضح عن نزيف الدورة الشهرية الذي يكون أثقل وأكثر حمرة ويستمر لفترة أطول. قد تصاحبه أيضاً تقلصات خفيفة جداً.
2. تقلصات خفيفة في أسفل البطن
قد تشعر بعض النساء بـ تقلصات خفيفة في أسفل البطن أو شعور بالوخز بعد أيام قليلة من التبويض، وقبل موعد الدورة الشهرية. هذه التقلصات قد تكون مرتبطة بعملية الانغراس نفسها، حيث يحدث تهيج طفيف في بطانة الرحم أثناء التصاق الجنين.
عادة ما تكون هذه التقلصات أخف بكثير من تقلصات الدورة الشهرية، وقد تشبه شعورا بالضغط أو الثقل الخفيف في منطقة الحوض. من المهم التمييز بينها وبين تقلصات الدورة التي تكون عادة أكثر شدة وتزداد قوتها مع اقتراب الدورة وبدئها.
3. تغيرات في الثدي (ألم، تورم، حساسية)
تُعتبر تغيرات الثدي من اعراض الحمل المبكرة جداً والشائعة، ويمكن أن تبدأ بالظهور قبل موعد الدورة الشهرية. قد تشعر المرأة بزيادة في حجم الثديين، تورم، ثقل، أو حساسية شديدة للمس، وقد تكون هذه الحساسية أكثر وضوحاً من المعتاد قبل الدورة.
كما قد تلاحظ بعض النساء تغيرا في لون الحلمتين أو الهالة المحيطة بهما لتصبح أغمق أو أكبر حجماً، أو ظهور الأوردة بشكل أوضح تحت الجلد. هذه التغيرات ناتجة عن الارتفاع السريع في هرموني الإستروجين والبروجسترون، والتي تُعدّ الثديين للرضاعة.
شاهد ايضا: علامات نجاح التلقيح الصناعي بعد يومين: ما هي التغيرات المحتملة ومتى يظهر الحمل؟
4. التعب والإرهاق غير المبرر
الشعور بـ التعب والإرهاق غير المبرر هو أحد اعراض الحمل المبكرة جداً التي قد تظهر قبل موعد الدورة الشهرية، وأحياناً يكون من أولى العلامات التي تلاحظها المرأة. هذا ليس مجرد شعور بالنعاس، بل هو إرهاق عميق قد يجعل حتى أبسط المهام اليومية تبدو مرهقة.
يعود هذا التعب بشكل رئيسي إلى الارتفاع الكبير في مستويات هرمون البروجسترون الذي له تأثير مهدئ. كما أن انخفاض مستويات السكر في الدم وزيادة إنتاج الدم لدعم نمو الجنين النامي يساهمان في هذا الشعور بالإرهاق الشديد.
5. زيادة عدد مرات التبول
قد تلاحظ بعض النساء زيادة في عدد مرات التبول قبل موعد الدورة الشهرية بأيام. هذه الزيادة في عدد مرات التبول ناتجة عن زيادة كمية الدم والسوائل في الجسم، مما يجعل الكلى تعمل بجهد أكبر للتخلص من السوائل الزائدة.
على الرغم من أن الضغط على المثانة بسبب كبر حجم الرحم يكون أوضح في مراحل الحمل اللاحقة، فإن زيادة تدفق الدم والتغيرات الهرمونية يمكن أن تؤثر على المثانة وتسبب زيادة في وتيرة التبول مبكراً جداً.
6. الغثيان أو الشعور بالدوار الخفيف
على الرغم من أن “غثيان الصباح” عادةً ما يبدأ بعد تأخر الدورة، إلا أن بعض النساء قد يشعرن بـ الغثيان أو الشعور بالدوار الخفيف كأحد اعراض الحمل قبل موعد الدورة الشهرية.
يمكن أن يحدث هذا الغثيان في أي وقت من اليوم أو الليل، وقد يكون خفيفاً في البداية، أشبه بشعور بعدم الراحة في المعدة. يُعتقد أن السبب هو الارتفاع السريع في مستويات هرمون hCG. الدوار الخفيف قد ينتج عن انخفاض ضغط الدم قليلاً بسبب توسع الأوعية الدموية.
7. زيادة حساسية الشم والتذوق
يمكن أن تؤثر التغيرات الهرمونية في بداية الحمل على الحواس، مما يؤدي إلى زيادة حساسية الشم والتذوق. قد تجد المرأة أن الروائح التي كانت لا تلاحظها سابقاً أصبحت قوية ومزعجة للغاية، وقد تسبب لها الغثيان.
كما قد تلاحظ تغيراً في طعم الأطعمة، أو شعوراً بطعم معدني في الفم، يُعرف بـ “خلل التذوق” (Dysgeusia). هذه التغيرات الحسية يمكن أن تكون من العلامات المبكرة جداً التي تلاحظها المرأة قبل موعد الدورة.
8. الرغبة الشديدة أو النفور من أطعمة معينة
قد تبدأ الرغبة الشديدة في تناول أطعمة معينة (الوحم) أو النفور من أطعمة كانت محبوبة سابقاً بالظهور كأحد اعراض الحمل قبل موعد الدورة الشهرية.
هذه التغيرات في الشهية والرغبات الغذائية مرتبطة أيضاً بالتغيرات الهرمونية والتأثير على حاسة التذوق والشم. قد تجد المرأة نفسها فجأة تشتهي أطعمة غريبة أو تشعر بالاشمئزاز من روائح أو أطعمة كانت تتناولها بشكل طبيعي.
9. تقلبات المزاج
الشعور بـ تقلبات المزاج هو عرض شائع جداً قبل الدورة الشهرية، ولكنه قد يكون أيضاً أحد اعراض الحمل المبكرة. الارتفاع السريع في مستويات الهرمونات يمكن أن يؤثر على النواقل العصبية في الدماغ، مما يؤدي إلى الشعور بالسعادة المفرطة، ثم الحزن، العصبية، أو القلق بسرعة. قد تكون هذه التقلبات أكثر حدة أو مختلفة عن تلك التي تحدث عادةً قبل الدورة الشهرية للمرأة.
10. الانتفاخ وزيادة الغازات
يمكن أن يسبب الارتفاع في مستويات هرمون البروجسترون استرخاء في عضلات الجهاز الهضمي، مما يبطئ حركة الطعام عبر الأمعاء. هذا التباطؤ يمكن أن يؤدي إلى الشعور بـ الانتفاخ وزيادة الغازات، وقد يصاحبه شعور بالإمساك. هذا العرض يشبه كثيراً الانتفاخ الذي تشعر به بعض النساء قبل الدورة الشهرية، مما يزيد من صعوبة التمييز.
11. ارتفاع درجة حرارة الجسم القاعدية
للنساء اللواتي يقمن بتتبع درجة حرارة الجسم القاعدية (BBT) لتحديد أيام الخصوبة، فإن ملاحظة ارتفاع مستمر في درجة حرارة الجسم القاعدية لمدة تزيد عن 14 يوماً بعد التبويض تعد مؤشراً قوياً جداً على حدوث الحمل، وقد تظهر قبل موعد الدورة الشهرية.
عادة ما ترتفع BBT بعد التبويض وتنخفض قبل بدء الدورة الشهرية. إذا بقيت مرتفعة باستمرار، فهذا يعني استمرار إنتاج البروجسترون، وهو ضروري لدعم الحمل المبكر.
التحدي الأكبر: التمييز بين اعراض الحمل وأعراض PMS
إن التحدي الرئيسي في تحديد اعراض الحمل قبل موعد الدورة يكمن في التشابه الكبير بينها وبين أعراض متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS). العديد من الأعراض مثل ألم الثدي، الانتفاخ، التعب، تقلبات المزاج، والصداع، تتشارك بين الحالتين، وتحدث بسبب التغيرات الهرمونية الطبيعية التي تحدث في النصف الثاني من الدورة الشهرية، سواء حدث حمل أم لا.
يُعتبر نزيف الانغراس وتقلصاته من العلامات الأكثر تميزاً للحمل في هذه المرحلة المبكرة، حيث أنها لا تحدث ضمن أعراض PMS الطبيعية، ولكن حتى هذه العلامة ليست دليلاً قاطعاً وقد تحدث لأسباب أخرى غير الحمل في حالات نادرة جداً. بالإضافة إلى ذلك، لا تعاني جميع النساء من نزيف الانغراس.
نتيجة لهذا التداخل الكبير في الأعراض، لا يمكن الجزم بوجود الحمل بناءً على الأعراض وحدها قبل موعد الدورة الشهرية. إن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الفترة هي ملاحظة أي تغيرات غير معتادة، ولكن مع إدراك أنها ليست مؤشرات حاسمة. الصبر هو المفتاح في هذه المرحلة.
متى يمكن إجراء اختبار الحمل للحصول على نتيجة دقيقة؟
إذا لاحظتِ أياً من اعراض الحمل قبل موعد الدورة وساورك الشك في وجود حمل، فقد تميلين إلى إجراء اختبار الحمل فوراً. ومع ذلك، فإن إجراء الاختبار في وقت مبكر جدا قد يؤدي إلى نتيجة سلبية خاطئة، حتى لو كنتِ حاملا.
اختبارات الحمل (سواء المنزلية أو الدم) تعتمد على الكشف عن وجود هرمون hCG في البول أو الدم، وهذا الهرمون لا يُفرز بكميات كافية ليتم الكشف عنه إلا بعد حدوث الانغراس وبدء نمو الجنين، والذي يحدث عادةً بعد حوالي 6-12 يوماً من الإخصاب.
للحصول على أدق نتيجة ممكنة باستخدام اختبار الحمل المنزلي، يُنصح بالانتظار حتى اليوم الأول من غياب الدورة الشهرية المتوقعة، أو حتى بعد بضعة أيام من ذلك التاريخ.
تكون مستويات هرمون hCG في البول أعلى في الصباح الباكر، لذا يُفضل إجراء الاختبار بالبول الأول بعد الاستيقاظ. بعض الاختبارات عالية الحساسية قد تتمكن من الكشف عن الحمل قبل موعد الدورة بأيام قليلة، ولكن نسبة الخطأ تكون أعلى.
اختبار الدم الذي يجريه الطبيب هو الأكثر دقة ويمكنه الكشف عن الحمل في وقت أبكر من اختبار البول، ولكنه لا يُجرى عادةً إلا بعد تأخر الدورة أو وجود اشتباه قوي.
خلاصة القول في اعراض الحمل المبكرة جداً
في الختام، إن اعراض الحمل قبل موعد الدورة الشهرية هي مجموعة من المؤشرات المحتملة الناتجة عن التغيرات الهرمونية السريعة التي تبدأ في الجسم بعد الانغراس. في حين أن علامات مثل نزيف الانغراس قد تكون أكثر دلالة من غيرها، فإن العديد من الأعراض الأخرى تتشابه بشكل كبير مع أعراض متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS)، مما يجعل التمييز بينهما صعباً وغير مؤكد بناءً على الأعراض وحدها.
لا ينبغي الاعتماد على هذه الأعراض كدليل قاطع على وجود حمل، بل يجب التعامل معها كإشارات محتملة تزيد من احتمالية الحمل وتدفع المرأة إلى إجراء اختبار الحمل في الوقت المناسب. إن أفضل طريقة لتأكيد الحمل هي إجراء اختبار حمل موثوق به بعد غياب الدورة الشهرية المتوقعة.
حتى ذلك الحين، يُنصح بالتحلي بالصبر، والاستماع إلى جسدكِ، ومحاولة تقليل التوتر. كل حمل فريد، والأعراض تختلف من امرأة لأخرى. الأمل موجود دائماً، وتلك الإشارات الخفية قد تكون بداية لرحلة جديدة ومميزة.
